هل عرّتْ كورونا الرأسمالية ؟ وكيف تعاملت الدول الرأسمالية مع الفايروس
احمد غانم
قسم العلوم المالية والمصرفية
طالب في المرحلة الثالثة
جامعة جيهان – اربيل
في أربعينيات القرن الرابع عشر للميلاد، وحيث كان الطاعون هو الموت الأسود والأكثر انتشاراً وشعبية بين أوساط الأمراض والأوبئة، ظهر طاعون كان يسمى بالطاعون الدبلي أو الدُمّلي، حيث كان يصيب الغدد الليمفاوية ويملؤها أورام .
استطاع العالم وقتها قوقعة الطاعون والتخلص منه، والسبب يعود كون العالم حينها كان زراعي إقطاعي
( تذكروا هذا المصطلح )، حُورِبَ الطاعون بتقليل أعداد العمّال مما أدى إلى إنحساره، ونهايته.
في القرن السادس عشر للميلاد، ظهرتْ في المجتمعات الأوروبية، العلامات والسِمات الأولى للرأسمالية. وفي الفترة الزمنية ما بين القرنين السابع والثامن عشر للميلاد، ومع ظهور علامات الثورة الصناعية والتقدم الصناعي، شَهَدَت الرأسمالية تطوراً ملحوظاً من خلال دعم الإنتاج الخاص في المشاريع الإقتصادية الرئيسية التي كانت تقود تلك الثورة.
في هذه الحقبة، اُكْتُشِفتْ فيها الموارد الطبيعية، وتماشياً مع استغلال الإنسان لخيرات الأرض التي لا تُحبُه، أدى ذلك إلى إرتفاع الأسعار على المال وقطاعات الأعمال عامة والتجارية منها خاصة، والتي بدورها تؤثر تأثيراً سلبياً على المجتمع وطبقاته المتفاوتة منذ الأزل.
بما أن الرأسمالية تُعرّف على أنها نظامٌ إقتصاديّ سياسيّ يتحكم بكافة مكونات اقتصاد دولةٍ ما. يظهر لنا الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليؤكد لنا معنى هذا التعريف الذي يختلف تعريفه من شخصٍ لآخر طبقاً لإنتماءاتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية. يؤكد لنا ترامب أن الرأسمالية هي الوسيلة الأكثر فعالية لزيادة التفاوت الطبقي في المجتمع.
دونالد ترامب لم يخترع الرأسمالية ولا مساوءها، لكن ترامب أكّدَ أن الرأسمالية هي عماد السلطة والوسيلة للحصول عليها. قبل فترة قصيرة، إتهم ترامب منظمة الصحة العالمية بأنها المخطئة وألقى عليها اللوم بما يحدث في أميركا وأعداد الإصابات والوفيات المهولة هناك. يقال أن الغرض الوحيد مما فعله ترامب، هو عدم خسارة شعبيته، لأنه وبطبيعة الحال لن يحمّل حكومته اللوم، ولذلك أراد شمّاعة يعلّق عليها الفشل وعدم التخطيط لهكذا كوارث، والذي وحكومته كانا يهتمان بجوانب التسليح والحرب ضد الصين التي خرج منها الوباء وتخلصتْ منه، بعد الإعتراف بعدم الإستعداد لهكذا وباء مفاجئ، لكن الفرق هنا أن الصين احتضنتْ الموقف وعالجته حتى تعافتْ البلاد تماماً، تقريباً.
يأتي التساؤل هنا بعد كل هذه الأحداث والأوبئة والسياسات الخاطئة، يتساءل البعض " هل عرّتْ كورونا الرأسمالية ؟ "، في الحقيقة لا أستطيع تعميم رأيي على آراء الناس، لكن المنطق يقول أن هذه الأزمة فضحتْ وعرّتْ القطاعات الخاصة، والحكومات الرأسمالية. فمثلاً في العراق، حيث أن شركات الإتصالات هي شركات خاصة، لا يستطيع المواطن فعل شئ غير الإنصياع، لأن الأمر وببساطة أنك إما أن ترضخ أو لا يكون عندك ما تتواصل به. وهذا ما يشكّل الفساد بأبهى أشكاله وصوره، حيث أن الحكومة المعنية بالعامة، تُعنى بمصالح السياسي والملّاك والمستثمرين.
الرأسمالية، أنجبتْ في أواخر سبعينيات القرن العشرين، الخصخصة، حيث اعتمدتها حكومة مارجريت في بريطانيا والحزب الجمهوري في أميركا في الثمانينات. أما عند العرب فقد كانت مصر الأولى حيث اعتمدتها عام 1991م ثم تلتها لبنان عام 1994م، ثم توالت بقية الدول العربية بعدهما. في العراق ظهرتْ الخصخصة بعد عام 2003م . والخصخصة هي ببساطة تحويل الممتلكات العامة إلى خاصة، مملوكة لشخصٍ ما أو عائلة ما أو شركةٍ ما.
في كتابه " الخصخصة: المفهوم وإمكانيات التطبيق في العراق " يوضّح الأستاذ الدكتور كامل كاظم بشير الكناني سلبيات الخصخصة، حيث يقول في كتابه أن الخصخصة قد تزيد نسبة البطالة، بإستقدام العمالة الوافدة، مما يفرز نوع من الإختلافات الإجتماعية. وتبذير الموارد العامة للدولة لا سيما بعد بيع المشاريع الكبيرة.
نعود للنظام الإقطاعي، حيث يتباهى إنسان العصر الحديث بأن تلك العصور انقضتْ و ولّتْ، وأن الإنسان الصناعي العلميّ الجديد تخلّص من تلك العصور المظلمة، لكن !! هل حقاً هذا ما يحدث اليوم ؟ وهل يختلف الإقطاعي عن الرأسمالي بشيء ؟ أليس كلاهما أصحاب رؤوس أموال وتحتهم الكثير ممن هم أدنى منهم حالاً ومكانة إجتماعية ؟ والسؤال الأكبر، بما أن الإقطاعي انتصر على الطاعون الدبلي، فلماذا لا يفعل الرأسمالي؟
خلال أزمة كورونا الحالية، حاورتْ صحيفة كورييري ديلا سيلا الإيطالية الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي إدغار موران عبر تطبيق سكايب. هاجم موران السياسات الرأسمالية، حيث قال أن كورونا كشف قبح الرأسمالية وعجز أوروبا !!
• كيف تعاملتْ الدول الرأسمالية مع الفايروس ؟
سارعت أغلب دول العالم بإحتواء الفايروس من خلال العديد من الإجراءات الإحترازية، كتقييد حركة العامة أو الحجر البيتيّ. فمثلاً شلّتْ الصين الحركة بالكامل في أيام الفايروس الأولى، كذلك حذتْ حذوها بقية دول العالم.
يتساءل البعض، هل الدول الرأسمالية دول فاشلة بالحرب ضد الفايروس ؟. في الحقيقة، لا نستطيع البتّ بكون الدول الرأسمالية دول فاشلة في مواجهة الفايروس، لأن الأمر وببساطة متفاوت، بحسب الدول وسرعة استجابتها للوباء. فمثلاً، نجد أن الدولة الأولى على العالم من حيث سلامة مواطنيها وخلوها من الفايروس هي كوريا الشمالية ( متصدرة لإنغلاقها ولحكمها الشديد ) ثم تليها فنزويلا، وهما دول فقيرة، حيث أن كوريا تخلو خلو تام أما فنزويلا فهي أقرب للخلو. في الجانب الآخر، نجد أن الدول الرأسمالية هي أيضاً من أكثر الدول أماناً واحتواءً للوباء مثل سنغافورة، هونج كونج، نيوزيلندا، سويسرا وأستراليا. وهي دول متقدمة إقتصادياً جداً.
الشاهد هنا، أن الرأسمالية، تكون سيئة بحسب سوء وبلاهة السياسيين، وهذا الأمر يتجسد ببريطانيا وأميركا.