اين العراق وكوردستان من المعادلة الاقتصادية الدولية في مواجهة كورونا

ا.م.د. علي شوكت احمد
قسم المحاسبة
جامعة جيهان – اربيل

تنفق الولايات المتحدة الامريكية ومعها بلدان اوربا وروسيا مليارت الدولارات على انتاج وتطوير الاسلحة الفتاكة ، فامريكا تنفق ما يقرب من 40000 دولار في انتاج صاروخ ستنغر وتنفق مليون ونصف دولار في انتاج صاروخ توماهوك . وتحتفظ بريطانيا بما يفوق على 300 راس نووي وكذلك فرنسا ، وتمتلك ايطاليا خامس اكبر اسطول جوي من بين دول حلف شمال الاطلسي وباقي دول الاتحاد الاوربي . ان برامج التسلح العسكرية هذه ترصد لها موازنات هائلة تفوق حجم الموازنات التي ترصد الى الحاجات الانسانية الاخرى بالاف الاضعاف .

لقد فوجىء العالم بان كلفة انتاج 20 جهاز تنفس اصطناعي يقل كثيرا عن كلفة انتاج صاروخ ستنغر واحد تنتجه الولايات المتحدة. وفي ازمة وباء كورونا التي بمر بها العالم اليوم شاهدنا كيف ان المواطن الامريكي يطالب الحكومة بتامين هذه الاجهزة في المستشفيات كي يواجه المرض الفتاك . ويموت الناس في ايطاليا وفي المملكة المتحدة التي لا تغرب عنها الشمس ، وكذلك الحال في المانيا وبلدان الاتحاد الاوربي الاخرى ، ويتهافت المواطن فيها على مراكز التسوق لتامين قوت يومه وهو في عزلة من فايروس كورونا التي ادت الى ما يشبه الانهيار في اسواق العمل وبورصات المال . وما زالت لااعداد الوفيات تتزايد كل يوم والانهيارات تحصل في كافة الانشطة الاقتصادية وتؤكد عجز الانظمة الصحية العالمية عن مواجهة المرض.

والسؤال الان هو لماذا اتجهت البلدان المتقدمة هذا الاتجاه وعلى حساب من جرى كل هذا البناء الذي اثبت عدم فاعليته في ادارة الازمات الكبيرة والخطيره من هذا النوع ؟

والجواب هو ان الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية ومنذ الحرب العالمية الثانية تعتمد المعادلة الاقتصادية التي تقول ان القوة والهيمنة على اقتصاديات البلدان وتقاسم ثرواتها اكثر جدوى من انفاق الثروة على وسائل الرعايه الصحية حتى لو تكلف هذا الامر ازهاق ارواح مجموعة من البشر .

والسؤال المهم جدا بالنسبة لنا نحن على مستوى البلدان النامية ومنها العراق و اقليم كوردستان تحديدا هو : اين نقع نحن من هذه المعادلة في مجال مواجهة خطر وباء كورونا ؟؟ وللاجابة على هذا التساؤل ينبغي ان نلقي نظرة سريعه على الواقع الذي يحيط بالبلدان النامية :

1. البلدان النامية بشكل عام يهيمن فيها المتغير السياسي على المتغير الاقتصادي ، وبالتالي فانها تبذر مواردها الاقتصادية لصالح تنفيذ السياسات التي تصب بالنتيجة في مصالح الدول المتقدمة . وهكذا فان معظم اقتصاديات البلدان النامية تهيمن عليها الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة ، وعليه فان اقتصادياتها مرتبطه بشكل او باخر مع البلدان المتقدمة سواء بالهيمنه المباشرة او بالقوة .

2. البلدان النامية عموما يحكمها الفساد الاقتصادي والاداري والمالي ، وباتلتالي فان ثرواتها لا تنفق في المجالات التي يحتاجها المجتمع وفي مقدمتها التعليم والصحة .

3. البنى التحتية في البلدان النامية معظمها متهالكة ولم يحصل فيها استثمار متقدم ، واذا ما حصل لدى البعض منها فان البلدان المتقدمة تستقطب تلك الخبرات والموارد وخصوصا الموهوبة والمتميزة منها المجال الصحي ..

وعليه فان كافة المؤشرات تشير الى ان البلدان النامية هي الخاسر الاكبر في المعادلة ، فاضافة الى الاسباب التي ذكرت فان هناك اسباب اخرى تتعلق بواقع المجتمعات ودرجة التطور العلمي والثقافي والفكري لدى مكوناتها ، ففي العراق مثلا ورغم شدة الازمة الصحية التي يمر بها العالم وتفاقم ازمة كورونا التي تنذر بخطر كبير ، فان التخلف الفكري يسود لدى شريحة واسعة من ابناءه الذين يعتقد قسم منهم ان علاج الامراض كلها يتوقف على القيام ببعض الممارسات الدينية.

اذن متى يمكن لنا ان نخرج من عنق الزجاجة ؟

وهل سنتمكن من الخروج من ازمة وباء كورونا باقل الخسائر الممكنه ؟

هذا الامر يتوقف باختصار على مجموعة من القواعد ، في مقدمتها :

1. الالتزام التام حاليا بتوجيهات الجهات الصحية المحلية ، ولعل اقليم كوردستان كما تظهر وسائل الاعلام يقف في المقدمة من حيث درجة الوعي والادراك لخطورة هذا الوباء .

2. المراجعة الشاملة لواقع المؤسسات الصحية والطبية وواقع البنى التحتية واحتياجاتها بعيدا عن السجالات السياسية وتسليم الامر الى المختصين وتوفير المستلزمات الكفيلة بمواجهة الاخطار المحتملة مستقبلا .

3. المراجعة الدورية للموازنة السنوية بما يؤمن تنفيذ ما ورد واعتماد اقصى درجات الشفافية في هذا الموضوع .

4. الاحتفاظ بالخبرات الصحية المحلية وتقديم كل اشكال الدعم وفي مختلف الظروف خصوصا بعدما اثبت الكثير منهم قدوة عالية تفوق القدرة التي تمتلكها البلدان المتقدمة ، اذ ان مواجهة الظرف الصعب بتطلب التهيئة والاستعداد المسبق لذلك .