كورونا وصراع الهيمنة
د. معتز عبد القادر محمد
قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية
جامعة جيهان-اربيل
في البدء لا يمكن القول ان هناك محلل سياسي او استراتيجي تنبأ بفكرة أن يكون هناك وباء يغيير مجريات الاحداث وهذه هو ديدن السياسية التي تقوم على متغيرات ولاتوجد ثوابت فيها كل الدراسات كانت تتكلم عن حروب اقتصادية وحروب تجارية وحروب عُملات ومنهم من ذهب الى ابعد عندما تكلم عن مشكلة الامن البيئي وكيفية معالجته بالرغم من ان الفكرة الحقيقية لم تذهب الى هذا الفايروس وانما كان اكثر شي متوقع هو الاحتباس الحراري وما يولد من مشكل بيئية، ولازال الجدل يدور ايضاً حول مصدر هذا الوباء وهل يدخل في نطاق الحرب البيولوجية عبر التاريخ والازمات التي مرت بها المنظومة العالمية . وبالرغم من المنعطفات التاريخية المهمة سواء كانت حروب او كوراث بيئية او امنية ولاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم يشهد النظام العالمي هذه العجلة من التغيير التي سوف تحدث بسبب ازمة كورونا فالرجوع تاريخيا الى فترة زمنية كانت فاصل مهم في سياق العلاقات الدولية نرى ان نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام اتفاقيات عديدة وطدت وشكلت شكل النظام الحالي بصورة عامه ولاسيما اتفاقية بريتون وودز التي وضعت أساس النظام الاقتصادي ودعائمه في انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وذكرنا هنا في سياق هذه المقالة اتفاقية بريتون وودز باعتبارها الاتفاقية المهمة في اعتبار الدولار العملة الرئيسية وبما اننا اليوم في علاقة وثيقة جداً بين الكورونا والاقتصاد ولاسيما الاقتصاد الامريكي كان يجب ان يتم التركيز هنا على هذه الاتفاقية لتأكيد عمق التاريخ في تشكيل النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية.
مما تقدم نعطي مقاربة محور هذه المقالة، هل أن أزمة كورونا سوف تغيير النظام العالمي وشكل النظام الدولي بصورة اسرع مما هو متوقع، وتحدِث تغييرات جذرية في احكام الهيمنة والصراعات الأيديولوجية ، حقيقة الجواب هنا يكمن في عدة معطيات اتت بها هذه الجائحة من اجل الخروج بنتيجة تودي الى استشراف المستقبل وكما يلي:
1- صعود الصين اعلاميا واقتصادياً بحكم قدرتها على التخلص من هذه الوباء وكيفية معالجته والوسائل التي اعتمدها.
2- كيفية توظيف الصين لهذه الخبرة التي اكتسبتها في فترة زمنية قصيرة قياساً بالدول الاخرى وذلك من خلال تقديم مساعدات الى الدول التي تعتبر محور وواحة الرأسمالية وفي مقدمتها ايطاليا مما شكل نوع من الهجوم المرحب به من قبل الطليان في عقر دار الاتحاد الاوربي.
3- التذبذب والارباك الكبير في الادارة الامريكية في مواجهة هذا الوباء مما عزز القناعة لدى المهتمين بأن كورونا اثبتت عجز الرأسمالية والقيم التي تستند علية والبروباكاندا التي مارستها منذ انهيار الاشتراكية.
مما تقدم اعلاه ووفق هذه المعطيات يثب لنا بأن تغيير موازين القوى عالميا سيخلق في السنوات القامة اضطرابات كبيرة حول العالم وصراع على النفوذ بين دولة تريد ان تصعد بحكم مؤهلاتها مثل الصين ودولة تريد ان تحافظ على ريادتها في النظام العالمي مثل امريكا وهنا سوف تتحقق نظرية ارنولد توينبي حول جدلية العلاقة بين التحدي والاستجابة، التي اذا ما عملنا تسقيط لهذه النظرية على مستقبل الصراع بين الصين وامريكا فبالتأكيد سوف تخلق امريكا المشاكل التي تجعل العالم ينصرف حول اهمية صعود الصين وهذا نابع من قوتها العسكرية التي ستوظف في خدمة موقعها في النظام الدولي وفي مقدمة هذه القوى القواعد العسكرية الامريكية الموجودة في عدة دول في العالم اذن سنشهد تغيير في قواعد اللعبة ولهذا لابد من العودة والتنظير الى مفهوم أخلاقيات السياسة في العلاقات الدولية.
ختاماً سوف يكون الصراع على اشده بين الصين وامريكا وستكون له تبعات وخيمة على الاستقرار العالمي واضطرابات اقتصادية تتطلب دراية كبيرة في ادارة الازمات وحنكة في تسيير الشعوب وحكمة الخروج باقل الأضرار.