الذهاب الى الركود ... سيناريو مؤلم للاقتصاد العراقي.

د.مجيب حسن محمد
قسم العلوم المالية والمصرفية
جامعة جيهان – اربيل

يواجه الاقتصاد العراقي وضع هش، حيث يواجه أزمةً ماليةً صعبةً بسبب انهيار أسعار النفط الدولية الى مستويات غير مسبوقة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب التفشي السريع لكورونا فايروس (كوفيد-19) حيث لا يتمتع نظام الرعاية الصحية في العراق بقدرات تشغيلية ومالية كافية لاحتوائه والسيطرة عليه ومما فاقم الازمة هو الاغلاق التام للأنشطة الاقتصادية في القطاع غير الرسمي مما عمق من ازمة الفقر المستشري في بلد يزخر بالموارد الطبيعية.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تدفق الشباب العراقيون إلى الشوارع في احتجاجات واسعة للتنديد باستشراء الفساد، وتردي مستوى الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة. وكشفت هذه المظاهرات عن مدى هشاشة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي العراقي. وسعياً منها لكسب رضا المتظاهرين، أعلنت الحكومة العراقية حزمةً من التدابير التنشيطية تشمل تعيينات واسعة بالقطاع العام وزيادة المعاشات التقاعدية والتحويلات الاجتماعية. أن هذه التدابير كانت تفتقر إلى الفعالية، نظراً لأن تعزيز خلق فرص العمل، وحفز مشاركة القطاع الخاص، واتخاذ تدابير مجدية لمكافحة الفساد تتطلب إصلاحات هيكلية أطول أمداً لا تعكسها هذه الحزمة من الاجراءات الترقيعية. ومع ذلك، فمع المستوى القياسي للإنتاج النفطي وزيادة المحاصيل الزراعية، والتوسع في توليد الكهرباء، وتخفيف قيود المالية العامة، نما إجمالي الناتج المحلي لعام 2019 بنسبة 4.4%. وظل معدل التضخم منخفضا بنسبة 0.2% في المتوسط، كذلك فرض حظر على استيراد بعض المواد الغذائية استجابة للنداءات التي أطلقها منتجون محليون لتشجيع الانتاج الوطني.

ان حزمة الاجراءات الترقيعية التي اتخذتها الحكومة ادت الى تقليص فائض الموازنة البالغ 11.2% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018 إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019، كما جاءت على حساب الإنفاق على برامج تنمية رأس المال البشري وإعادة الإعمار. وبالرغم من الزيادة الطفيفة التي طرأت على الإنفاق الاستثماري (5%)، فإن معدل التنفيذ ظل منخفضاً إذ لم يتجاوز 45% من المبلغ المدرج في الموازنة. وذهب معظم الإنفاق إلى استثمارات متصلة بالنفط. وبلغت نسبة تنفيذ الاستثمارات في القطاعات غير النفطية 18% فقط، مما أثار مخاوف بشأن مستوى تقديم الخدمات العامة، وتزايد فجوة البنية التحتية، وتوقف برنامج إعادة الإعمار.

تنطوي الآفاق الاقتصادية المستقبلية للعراق على تحديات كبيرة؛ إذ يُتوقع أن يؤدي انهيار أسعار النفط الدولية وغير ذلك من الظروف العالمية غير المواتية، بما في ذلك تعطل الإنتاج وسلاسل التوريد من جراء تفشي جائحة كورونا، إلى إلحاق أضرار بالغة بالعراق، وسيؤدي ذلك إلى انكماش اقتصاده بنسبة 5% في عام 2020. وفي ظل غياب إصلاحات ملموسة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص، سيكون من الصعب إنعاش الاقتصاد، ومن المتوقع أن يعود النمو تدريجياً إلى إمكاناته المنخفضة التي تتراوح بين 1.9% و 2.7% في 2021-2022. كما يُتوقع أن تؤثر أوجه الجمود في الموازنة، التي تفاقمت خلال العامين الماضيين، سلباً على المالية العامة في ظل ضعف الإيرادات النفطية. وبافتراض سعر نفط قدره 30 دولارا للبرميل، وفي ظل عدم اتخاذ تدابير مبرمجة لضبط أوضاع المالية العامة، فمن المتوقع أن يقفز عجز الموازنة إلى 19% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية عام 2020. ونتيجة لذلك، فإن الاقتصاد العراقي سيواجه على الأرجح فجوة تمويلية حادة لن تقتصر نتائجها على إرجاء تنفيذ مشروعات البنية الأساسية الحيوية في قطاعات تقديم الخدمات فحسب، بل وإرجاء تنفيذ برامج بناء رأس المال البشري، كما ستحد من قدرة الحكومة على تلبية احتياجات التعافي الاقتصادي فيما بعد انحسار جائحة كورونا.

وباختصار، من المتوقع أن يواجه العراق عجزًا مستمرًا في الحساب الجاري في عام 2020 مدفوعًا بشكل رئيسي بأسعار النفط المنخفضة وثبات الواردات. ومن المتوقع تمويل هذه الفجوة باستخدام احتياطيات البنك المركزي العراقي والبنوك المملوكة للدولة، مما يزيد من شدة تعرض البلاد للخطر والانكشاف المالي بفعل الفجوتين المتمثلة في عجز ميزان المدفوعات وعجز الموازنة العامة في الأجل القريب.